الأربعاء، يناير 24

ضد التيار

اكتب لك قصتي 
 فأنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري متوسطة الجمال وسمراء وخفيفة الظل، أقيم باحدى المدن الساحلية وحاصلة على شهادة جامعية ومن أسرة كبيرة جدا ولي شقيق واحد يصغرني - بدأت قصتي وأنا في السنة الثانية بكليتي حين تعرفت على شاب يسبقني في الدراسة بعام أحبني جدا وطلب الارتباط بي وفكرت في أمره ورأيته مناسبا لي من ناحية الأسرة والمستوى المادي.. فتقدم لأبي وأمي وخطبت له واستمرت الخطبة عامين اكتشفت خلالها أنه لا يستطيع تحمل أية مسؤولية وضعيف الشخصية أمام أبويه وكثير العلاقات مع فتيات آخريات، ففسخت الخطبة ثم قدمت لي الأسرة رجل أعمال عمره 40 عاما ومستواه المادي مغر جدا لأية فتاة، وعلى الرغم من عدم اقتناعي الكامل به فقد تأثرت برأي أهلي في سوء اختياري لنفسي ووافقت عليه وتزوجته خلال ثلاثة أشهر.. وكان لطيفا معي ومع أسرتي في البداية، لكنه بمرور الأيام تكشف لي بخله وكانت كل المشاكل التي بيننا بسبب البخل، ولم استطع العيش معه أكثر من ذلك فطلبت الطلاق منه وحصلت عليه بعد عام ونصف العام من الزواج، 




وحمدت الله على أنني لم أنجب منه أطفالا وبعد طلاقي اتسعت أوقات الفراغ أمامي فطلبت من أبي أن يبحث لي عن عمل ملائم من خلال علاقاته الاجتماعية واتصالاته، وبالفعل أوجد لي أبي عملا بأحد البنوك وذهبت الى العمل وأنا سعيدة بأنني سأثبت وجودي ولو لمرة واحدة في حياتي بعد ما مررت به من فشل، وأقبلت على عملي بنشاط وبعد 6 أشهر لاحظت اهتمام مدير البنك بي، وشككت في دوافع هذا الاهتمام لكني لم أصدقها، الى ان جاء اليّ الساعي الخاص به يستدعيني ذات يوم لمقابلة المدير في مكتبه فذهبت، وما أن دخلت عليه حتى قال لي باهتمام: اجلسي واستمعي جيدا لما سأقوله لك، أريد أن أتزوجك لأني أحبك منذ رأيتك لأول مرة





وذهلت لما سمعت وطلبت وقتا للتفكير، وانصرفت ولم أبح بكلمة لأحد مما سمعت ولم استشر أحدا ورحت أفكر في أمره بروية، إن مركزه الوظيفي كبير ومركزه المالي ممتاز، وهو رجل وسيم ومن أسرة كبيرة وهو موضع احترام الآخرين فماذا يعيبه بالنسبة لي، إذن؟ شيء واحد فقط هو أن عمره 60 عاما وأنا عمري 25 عاما وفارق السن بيننا 35 عاما، فماذا سيكون موقف أسرتي وماذا يقول عني الأهل؟ ولم أتوصل الى قرار بالرفض أو بالقبول لكن الأيام والاسابيع مضت فبدأت أشعر بأنني أحبه وأن قلبي ينبض لأول مرة ويختار فأبلغته بموافقتي، وشجعته على مقابلة أبي، فذهب إليه وطلب يدي فقوبل منه بالسخرية والضحك لأنه في نفس عمره، ولم يكتف أبي بذلك بل وطرده أمامي فخرج وهو في قمة اليأس، وفي اليوم التالي استدعاني الى مكتبه وسألني عن رأيي فأكدت له أنني لن أتخلى عنه، فلم ييأس وبعد شهر رجع الى زيارة والدي وطلبني منه مرة أخرى فرفض وطرده ثانية، وبعد هذه المقابلة قرر أبي منعي من العمل لكيلا يؤثر عليّ مديري خلال العمل، ومنعني من الخروج ومن الاتصال بصديقاتي وفرض علي الاتصالات الواردة لي رقابته فكان يرد على التليفون أولا ويتأكد من أن الطالب احدى صديقاتي قبل أن يعطيني السماعة لكن البنت حين تقع في الحب لا يحول بينها وبين ما تريد حائل فاتفقت مع صديقة لي على أن تذهب الى مكتب مدير البنك وتطلبني من عنده فسيرد عليها أبي ويعطيني السماعة فتعطيها هي له، وتحدثت إليه واتفقت معه على مقابلته كلما سنحت الفرصة، وقابلته أول مرة ولمدة ساعة فبكى وراح يقبل يدي ويطلب مني ألا أتركه أبدا لانه يحتاج اليّ بشدة، فمرضت من كثرة التفكير والسهر والاكتئاب، ولم استطع التحمل أكثر من ذلك فوافقت على الزواج منه سرا وتزوجنا زواجا شرعيا لدى المأذون، ولكن في السر
، وكتب لي الشقة باسمي وأودع لي بحسابي في البنك مبلغ 50 الف جنيه، ولم يعرف أحد بزواجي منه وكنا نتقابل سرا فتكون الساعة التي اقضيها معه هي أجمل ساعة في حياتي، فهو سخي في كل شيء، في الحنان والعطاء والحب والمال ويحبني بجنون ولم أشعر بفارق العمر هذا الذي تحدثوا عنه كثيرا، 




وبعد مرور ثلاثة أشهر على زواجنا عرفت أنني حامل، فواجهت أسرتي بالحقيقة، وثاروا عليّ ثورة هائلة وطردوني من البيت فذهبت للإقامة في بيت الزوجية وانقطعت كل صلة لي بأبي وأمي وأهلي، ومضت ستة شهور دون أن يتصلوا بي وجاءت ساعة الولادة وأنجبت طفلا وسميته على اسم أبي، وبعد خروجي من المستشفى حملت طفل وذهبت الى بيت أهلي لكي يروه ويصفحوا عني وعن زوجي، لكنهم لم يسمعوا مني كلمة واحدة وطرودني، وكلما اتصلت بهم أغلقوا سماعة التليفون في وجهي وحتى أخي منعوه عني، وأنا لا أريد سوى رضائهم عني وعن زوجي وابني، لاني وجدت السعادة بين يدي فاخترتها، وكان اختياري حسنا، وسؤال: لهم.. هو: لماذا يعتقدون ان الرجل - صغير السن المناسب لي سيكون كاملا في كل شيء وبه كل المواصفات الجيدة؟ ولماذا يعتقدون أن كبير السن يقترب من الموت بسرعة وصحته ضعيفة ولديه أمراض كثيرة؟
انني بعد التجارب التي عشتها أرجو كل أب وكل أم معالجة الأمور بالمناقشة المقنعة للابن أو البنت مع احترام رغبات الابناء وآرائهم، لأن الشكليات العائلية ليست كل شيء.
وأرجو منك أن تكتب لي رأيك بصراحة وأن تقول لي بوضوح: هل أخطأت فيما فعلت وهل فارق السن الكبير عيب أو حرام أو عدم تكافؤ؟! انني أتوسل إليك أن تطرح قصتي لكي يقرأها أبي وأمي وأخي والعائلة ويصفحوا عني لنرجع كما كنا أسرة سعيدة دون تفرقة وبغير خصام فأنا سعيددة في حياتي، وكل ما أطلبه من أهلي هو أن يرضوا عني لكي تكتمل بهم السعادة، لأني لا أنام وأبكي كثيرا بعد أن اشتدت عليّ وحشة الأهل.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ترقبت طوال قراءتي لرسالتك أن تشيري الى حالة زوجك الاجتماعية حين تزوجت منه على غير إرادة الأهلي، فلم أجد اشارة واحدة إليها وتجاهلك لهذا الجانب الجوهري من شخصية الرجل الذي ارتبطت به، وخرجت على طاعة أهلك من أجله، يرجح لدي الظن أنه لم يكن عزبا في الستين من عمره فاته قطار الزواج، وانهارت حصونه فجأة أمام فتاة صغيرة توسم فيها امكان قبوله زوجا لها، وإنما كان في أغلب الأحوال رجلا متزوجا وله من زوجته الأولى أبناء بعضهم يماثلونك في العمر وقد يكبرك بعضهم الآخر ولربما كان مطلقا أو أرمل ذا أبناء.
وقديما قال أحد الحكماء لمن جاء يطلب منه المشورة: إذا لم أعرف كل جوانب القضية التي تعريضنها عليّ بصدق فإن رأيي سيكون عبئا عليك أكثر منه عونا لك.

لكن تجاهل هذا الجانب من شخصية زوجك رغم جوهريته يتسق في رأيي مع ما استشعرته في رسالتك كلها من إعلاء مطلق للاعتبار المادي فوق كل الاعتبارات، فلقد ذكرت عن خطيبك الأول في مرحلة الجامعة أنه كان مناسبا لك من ناحية المستوى المادي وكان ذلك من عوامل أفضليته لديك، وذكرت عن زوجك رجل الأعمال أن مستواه المادي كان مغريا جدا لأية فتاة، ولهذا قبلت به زوجا، ثم تكشف لك عن حرص لا يتفق مع طموحاتك المادية، ثم قلت عن زوجك الحالي إنك فكرت في أمره فوجدت مركزه الوظيفي جيدا ومركزه المالي ممتازا فبدأت تتجاوبين مع مشاعره العاطفية، الى أن تزوجت منه سرا فكانت مكافآته المادية لك تسجيل الشقة باسمك وايداع 50 ألف جنيه في حسابك بالبنك، فماذا يعني هذا الاهتمام الطاغي بالاعتبارات المادية ايتها السيدة الشابة، وكيف يتفق مع قولك عن نفسك أنك من أسرة كبيرة جدا، وما قيمة الاشياء إن لم تحرر الإنسان من الاحتياج المادي للغير، أو لم تحمه من الخضوع للإغراءات المادية وتقديم التنازلات من حياته الشخصية للحصول على ما يتطلع إليه؟! إنها مأساة حقيقية أن يقدم البعض الاعتبارات المادية على كل الاعتبارات الأخرى على هذا النحو وأن يستبدلوا بالقلوب في حنايا الصدور آلات حاسبة لا تعرف إلا لغة الأرقام وحدها، والمؤسف حقا أن يكون هذا البعض من الشباب الذي تمتد الحياة أمامه وتتسع لتحقيق الأحلام بالكفاح الطويل، وليس بجني ثمار حدائق الآخرين، انك كمعظم من تتعللين بأنك قد وجدت السعادة مع زوجك الذي يكبرك بـ 35 عاما، ولقد تكونين كما تقولين لنفسك قبل الآخرين سعيدة بحياتك الجديدة بالفعل، ولكن لن تدوم مثل هذه السعادة يا ابنتي وهي مهما كانت حقيقية أو مكثفة سعادة مسروقة بحكم العوامل القدرية التي لا حيلة لأحد فيها وسباحة ضد تيار لا يصمد أمامه أحد مهما أوتي من قوة، لأنه تيار الزمن؟!
إن قوانين الحياة الطبيعية أولى دائما بالاتباع فإذا كان ثمة استثناء هنا أو هناك فإن الاستثناء مهما تكرر لا يصنع قاعدة أبدا، ولا يصلح لأن يكون مثالا يحتذى، شأنه في ذلك شأن ما يقوله الفقهاء عن غريب الفتوى: يبقى الشاذ من الفتيا كما هو ولا يقاس عليه.
ولقد تحدثت عن سباحتك ضد التيار وتحديك بعض قوانين الحياة وتطلعاتك المادية المؤسفة التي أثرت على اختيارك لحياتك، ولم أشر بعد إلى جرمك الأكبر في حق أبويك وأسرتك وأهلك وهو زواجك سرا بمن رفضه أبواك اشفاقا عليك من نفسك وحماية لك من اندفاعك الأهوج، فكانت مكافأتهما منك هو التسلل بليل الى من رفضوه حبا لك وحرصا عليك، والزواج منه في غيبة الأهل.
ثم تشكين الآن من أنك تفتقدين وجودهم في حياتك، وتشعرين بالوحشة في بعدهم عنك، وتريدين اكتمال سعادتك بصفحهم عنك وقبولهم لك واجتماع شملكم من جديد كأسرة سعيدة، فهل بذلت كل ما في الوسع حقا لاسترضائهم ومحو المرارة من قلوبهم؟ وهل صبرت على عقابهم المعنوي لك الى أن تهدأ النفوس الثائرة وتصفو من شوائبها؟ انه بقدر الجرم يكون التكفير، ولقد أجرمت في حق أبويك وأسرتك جرما منكورا بزواجك السري ممن اخترته رغما عنهم، فتقبلي عقابهم لك في صبر وواصلي سعيك لاسترضائهم وتحملي منهم الأذى المعنوي بعض الوقت كما كابدوا هم احساس المرارة، والغدر، والأسى، باكتشافهم ما فعلت، ولو لم تكوني قد انجبت من زوجك الحالي ابنا لاذنب له في تفكير أمه المادي ولا في صبابة أبيه، لأشرت عليك بالانفصال عن زوجك والعودة لأحضان أهلك وتصحيح مسارك في الحياة، لكنه قد فات أوان تصحيح الأخطاء الآن، وقد يؤدي تصحيح بعض الأخطاء أحيانا الى اضرار إنسانية أفدح من استمرارها على حد قول أمير الشعراء: وأخف من بعض الدواء الداء ، فاعتصمي إذن بالصبر على أبويك، والتمسي لهم العذر فيما تغلي به الصدور من الحنق والغضب عليك، ولا تكفي عن طرق أبوابهما الى ان تخمد نار الغضب وترق القلوب.. وتأذن لهما بالصفح عنك.


تمت


رحلة النجاح